1- جاء في المقالة:
“حسب الدار فإن المخطوط يذكر إشارة وقفية تقول بأن المصحف اهدي في ٢٥ محرم ٩٠٩ هـ…، كما يظهر على المخطوط ثبت وقفه على مدرسة قنصوه الغورى، وذكر رقمه العمومى ١٩٢١٤ بالكتبخانة المصرية”
بدايةً، ينبغي التفريق بين قيد الوقف المؤرخ في ٢٥ محرم ٩٠٩هـ، وبين العبارة السفلية الخاصة بالكتبخانة المصرية، التي نصها كما يلي:
“مُحْضَر من مسجد الغوري. وأضيف في ماه نوفمبر، سنة 84، نمرتـ 19214”
هذا النص، بهذا الخط، مألوفٌ لمن يطالع المخطوطات المحفوظة في دار الكتب المصرية، وهو عبارةٌ عن تقييدٍ للمكان الأصلي الذي جُلِب المخطوط منه إلى دار الكتب (الكتبخانة آنذاك)، مع ذكر تاريخ إحضاره، وإعطائه الرقم العمومي.
ومن المعلوم أن دار الكتب المصرية أنشئت عام 1870م، “لتقوم بجمع المخطوطات والكتب النفيسة التي كان قد أوقفها السلاطين والأمراء والعلماء على المساجد والأضرحة والمدارس“، وكان مسجد قانصوه الغوري، بطبيعة الحال، من تلك المساجد التي جُلبت مخطوطاتها إلى الدار.
وكما هو واضح من القيد المشار إليه، فإن تاريخ إحضار المخطوط من مسجد الغوري إلى دار الكتب هو ماه (شهر) نوفمبر، عام 84، ليس 1984م قطعا، وإنما: 1884م.
لإعطاء نموذجٍ آخر، ولمزيدٍ من التوضيح، أُدرج أدناه صورةً من مخطوط “المعجم المفهرس”، للحافظ ابن حجر العسقلاني، المحفوظ في دار الكتب المصرية، ويظهر عليه قيدٌ مشابه:
“محضر من جامع محرم أفندي الشهير بالكردي. وأضيف في ماه أكتوبر، سنة 1881، نمـ 17051”
وبمراجعة فهرس دار الكتب المصرية، المطبوع (طبعة ثانية) عام 1310هـ، 1892-1893م (اضطررنا إلى مراجعة هذا الفهرس لاحتوائه على الترقيم العمومي برمز “ن ع”: نمرة عمومي)، سنجد نسخة “المعجم المفهرس”، بنفس الرقم، في موضعها من الفهرس (1/252):
ماذا عن الجزء الرابع من ربعة قانصوه الغوري؟
نعم، هو موجودٌ في فهرس دار الكتب المصرية كذلك!
بعد جرد المصاحف المفهرسة في الفهرس القديم المشار إليه أعلاه، وقفت على الجزء المذكور، بالرقم المذكور، وتفاصيله في الفهرس (1/75-76) كما يلي:
من الواضح، إذن، أن الجزء الرابع ما هو إلا جزء من عشرين جزءا كانت تحتفظ بها دار الكتب المصرية!
فما مصير الأجزاء الأخرى؟
بحثت بتمعنٍ في قسم المصاحف من الفهرس اللاحق لدار الكتب المصرية: فهرس الكتب العربية الموجودة بالدار لغاية سنة 1921م (طبع عام 1342هـ، 1924م)، ولم أعثر على ما ينطبق وصفه على هذه الربعة المجتلبة من مسجد الغوري. ليست هي، بالتأكيد، المقصودة بما جاء في الفهرس (1/4):
فهذا مصحف آخر مختلف، وهذه تفاصيل فهرسته القديمة:
هل يعني ذلك أن الربعة، بأكملها، فُقدت من الدار ما بين العامين 1893م، و1921م؟
هذا محتمل.
لكن قد يحتمل أيضا أن بعض الربعات لم تفهرس مرة أخرى، لسببٍ أو لآخر، أو لم يساعد التوصيف الفهرسيّ على تمييز الربعة محل البحث، أو قد تكون الربعة موجودةً في الفهرس فعلا، لكني، ببساطة، لم أوفق في العثور عليها.
إذا صحَّ ذلك، وكان المفقود من الدار هو الربعة كاملة، وليس الجزء الرابع فقط، فيبدو أن النداء الذي وجهه د. أحمد عبدالباسط لن يعيد، إن أعاد، إلى دار الكتب المصرية إلا جزءا واحدا من عشرين جزءا كانت الدار تحتفظ بها قبل 125 سنة من اليوم، باستثناء ما إذا تكشّف أن “دار سوذبي” تمتلك كل ما كان في الدار من الربعة، الأجزاء العشرين كاملة، وأنها تنوي، افتراضا، عرضها للمزاد جزءا جزءا!
بالعودة إلى الفهرسة القديمة لربعة قانصوه الغوري، يلاحظ أن الأوصاف منطبقة تماما على الجزء الرابع المعروض للبيع في المزاد اللندني: “تجزئة ثلاثين”، “بقلم نسخ”، “مسطرتها 7″، “بها تحلية بالذهب”، الجزء “الرابع 28” ورقة، وبالتأكيد يتطابق الرقم العمومي (ن ع) مع الرقم المكتوب على ظهر الجزء.
الأمر الوحيد الذي ما زلت أستغربه هو وقوع فهرسة هذه الربعة ضمن تبويب “الربعات المكتوبة في الدولة العثمانية”، مع وضوح الاسم “قانصوه الغوري”، والتاريخ “تسع وتسعمائة”. لا أملك تفسيرا لذلك، لكنه، برأيي، لا يُشكل على انطباق الأوصاف المتعددة السابقة.
مما سبق، يتبين أن ما تفضلت بترجيحه في مقالتك، من “أن المخطوط أُخذ من مصر في العهد العثماني”، وأن “المخطوطة القرآنية خرجت من مصر من عدة قرون”، بعيد للغاية عن الصواب، الأمر لا يتجاوز المائة سنة الماضية على أقصى تقدير.
2- جاء في المقالة:
“وهذا الختم الأخير يظهر على مخطوطات أخرى منها مخطوط في مكتبة تشستر بيتي CBL Ar 4735II, f. 218b …، لكنني لم أستطع قرائته”
كحال عبارة مصدر المخطوط التي تكلمنا عنها آنفا، هذا الختم هو الآخر معروفٌ لمن يطالع مخطوطات دار الكتب المصرية، وهو الختم الخاص بالدار في أول إنشائها، وهذا نص المكتوب فيه:
“الكتبخانه الخديوية المصرية”
على النحو التالي:
“يـﮧ
الخديو
الكتبخ ـانـﮧ
المصريه”
ومجددا، يكفي هذا الختم في الدلالة على أن المخطوط لم يخرج من مصر قبل إنشاء دار الكتب المصرية (1870م)، لأن من المعروف أن هذا الاسم: “الكتبخانه الخديوية المصرية” هو اسم الدار الوارد في أمر الخديو إسماعيل بإنشائها.
وبخصوص المخطوط الذي تفضلت بالإحالة إلى صورة الختم عليه، وهو مخطوط تشستر بيتي Ar 4735، فإنه كان أيضا من ممتلكات دار الكتب المصرية. يلاحظ تقارب/تطابق معلومات فهرس مكتبة تشستر بيتي، مع تلك المسجَّلة في الفهرس القديم لدار الكتب المصرية:
الفرق هنا أن هذه النسخة موجودة في الفهرس اللاحق لدار الكتب المصرية (1/22) وبكل وضوح:
لا أدري متى دخل هذا المخطوط إلى مكتبة تشستر بيتي، لكن يبدو أنه فُقد من مصر في واحدةٍ من تلك “الظروف الغامضة”، للأسف.
وإذا كانت استعادة مخطوطٍ يباع في المزاد صعبة، فهل استعادة آخر دخل وسُجّل في مكتبةٍ كتشستر بيتي، هي سابع المستحيلات؟ ربما.
لست متخصصا في مخطوطات دار الكتب المصرية، ولا منتسبا إليها، وأعتقد أنه فاتني في هذه التعليقات، ويفوتني الكثير، مما يستطيع الإثراء به أساتذة خبراء، كالأستاذ صالح محمد عبدالفتاح مثلا.
أكرر شكري وتقديري، ودعواتي لك بالتوفيق والسداد.
محمد بن عبدالله السريّع
محاضر في قسم السنة وعلومها، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة القصيم
المملكة العربية السعودية
6 صفر 1440هـ
15 أكتوبر 2018م